خاص/ كتبت روان الأسعد
أي نفس بشرية تلك التي يستغل أصحابها حاجة الناس لتحقيق مصالحهم الشخصية أو لإشباع شهواتهم البهيمية؟ هؤلاء الذين مات ضميرهم وتحولوا إلى وحوش ينهشون لحم السوريين ويتلذذون بمعاناتهم. ضعاف النفوس الذين يستقوون على الضعفاء، وخاصة النساء، مستغلين الظروف القاسية التي تمر بها سوريا من فقر، انعدام الأمن، وقلة فرص العمل الشريف، لإشباع شهواتهم الدنيئة.
هؤلاء المستغلون (لا نعمم) الذين يعتمدون على أساليب دنيئة لاستدراج عدد كبير من النساء عبر إعلانات مغرية تحمل عنوان “فرصة عمل براتب مغرٍ”، يرمي أصحابها الطعم للضحية ويستدرجونها، لتبدأ بعدها مرحلة المساومة على الشرف مقابل المال. هذه الظاهرة كانت منتشرة في سوريا قبل سنوات الحرب، بدعم من نظام الأسد البائد الذي عمل جاهدًا على ترسيخ الانحلال الأخلاقي في المجتمع، وسانده الشراذم ليقودوا هذه الشبكات ويُشيعوها كالسّرطان بين أبناء البلاد. بينما عزز انتشارها خلال سنوات الحرب غياب الأمن، وزيادة معدلات الفقر والبطالة والجوع، ما دفع بعدد من النساء إلى مواجهة محاولات المساومة على بيع شرفهن مقابل ربطة خبز لإطعام أطفالهن الجياع الأيتام.
حيث تحولت الدعارة في مجتمعنا إلى تجارة علنية تُمارس في شقق ضمن مناطق سكن العائلات. هل كان أحد ليتجرأ على تقديم شكوى؟ كيف، وكان “حاميها حراميها”؟، هذا عدا ترويج المخدرات وتعاطيها بشكل علني.
هذا ما يدفعنا اليوم إلى مطالبة الدولة بضرورة الإسراع لمواجهة آفة الفقر التي تجتاح المجتمع السوري وحل أزمة البطالة ومساعدة الناس على العيش بكرامة، حتى لا تمتد أيديهم إلى الحرام أو يتبعوا أساليب ملتوية وغير قانونية للحصول على لقمة عيشهم. إن دعوة العودة لأخلاقيات الدين عمل رائع ونحن بحاجة إليها، لكن ينبغي أن يرافق هذه الدعوات حلول سريعة قبل أن نذهب إلى المجهول، ففي هذه المرحلة، الناس تريد خبزًا ليس إلا. وعندما تحل مشاكل المجتمع المادية، هذه الظاهرة وغيرها ستتلاشى حتماً.
“سوريا الغد” تسلط الضوء على ظاهرة استغلال النساء في العمل، من مختلف الفئات، وخاصة الأرامل والمطلقات والنساء اللواتي ليس لديهن معيل، مما يجبرهن على خوض هذه التجربة الصعبة. وجاءت لكم بأمثلة لحالات واقعية حدثت مع نساء سوريات، علها تلقى صدى لدى مسؤولي الدولة، وخاصة الوزيرة الحاضرة الغائبة وربما المُغيبة عائشة الدبس. وإليكم التفاصيل:
لقاء فندقي
سمر بتقول إنها تخرجت من الجامعة من كم سنة، ومن وقتها وهي عم تدور على شغل، وأضافت: “تواصلت من فترة مع شخص صاحب موقع إخباري، وعملت اختبار للعمل معه، بعد ما طلب مني نموذج عن أعمالي، وارسلت له لقاء مع دكتور وكان فيه صورة إلي ولضيفي. بس خلال حديثنا، ترك الموضوع وبلش يتغزل بصورتي، وقال إنو أنا حلوة وأشياء مثل هيك.”
وتابعت: “بعدين بلش يتمادى أكتر بالحديث ويجيب سيرة الجنس. قلت له بصراحة: ‘أنا بموضوع الجنس ما بدي أحكي، إذا بدك نشتغل بالموقع قول يارب، إذا ما بدك، خلص.’ فقال لي إنه بيعتذر وطلب مني أعتبره صديقي. بعد فترة، رجع وقال إنه بدو علاقة، وصار يرسل لي رسائل الصباح والمسا، وقتها قررت أحظره لأنه بدأ يتجاوز الحدود. قال لي: ‘حابب نلتقي كل أسبوع بالفندق، بس أنا رفضت تمامًا.'”
أمن دولة
أما فتون، فكان عندها قصة مأساوية أكثر بزمن النظام البائد بالفترة الأخيرة. بتقول: “لما أتذكر هالقصة، قلبي بيبكي. بزمن بشار، كنت عم بدور على شغل بالتلفزيون، فطلعت عن طريق شخص موثوق لعند واحد من أمن الدولة حتى يساعدني أتوظف. دخلت عالفرع وكان كل شي عبيصير بسرية تامة، أخدوا مني غراضي كلها، ووصلوني لعند الشخص يلي رايحة قابله. قعدنا بالمكتب وحكينا عن الشغل وخبرني إنه بيقدر يساعدني. بعدها بلشت تطلع قصصه التافهة. قال لي بالحرف: ‘شايفة هالمذيعات؟ أكترهم عاملين علاقة مع حدا لحتى يتوظفوا.’ فقلت له: ‘عفوا منك، بس ما بيصير تعمم.’ فقال لي: ‘ما عم عمم أكيد، بس أكترهن هيك.'”
وتابعت: “كان عم يحاول يوصل لي فكرة غريبة وقال لي: ‘إذا عملتِ معي علاقة، رح وظفك.’ كنت عم بسمعه وأنا عم بفكر كيف أطلع من هالمكان، لأن موضوع الشغل ما عاد يهمني. بعد شوي، طلب مني أفتح موبايلي ليشوف صوري، فاعتذرت وخبرته ما عندي صور.’ قبل ما أمشي، مسك إيدي وقلي: ‘منلتقي ببيتي؟، مرتي مسافرة عند أهلها بالضيعة.’ أخيراً طلعت من المكتب وأنا بالطريق، صرت أبكي، وحسيت بحزن كبير على كل النسوان يلي مجبورين يعملوا شي ما بدهم يعملوه، بس مجبورين. وفكر: ‘كيف بدنا نعيش بهي الطريقة؟'”
ورشة خياطة
أما ديالا (خياطة)، قالت: وصلتني فرصة للعمل بورشة خياطة ألبسة. كنت ناطرتها من زمان. ما كذبت خبر و رحت فوراً على الورشة وتعرفت على صاحبها، وكان رجل في منتصف العمر اسمه “أحمد”. بالبداية كان لطيف وخبرني إنه بحاجة لخياطات بورشته ووعدني يوظفني فورًا إذا أثبتت كفاءتي.
وتابعت: “كان العمل جيد، والراتب كان بيكفي لتغطية احتياجاتي اليومية. بس مع مرور الوقت، بلش أحمد يستغل حاجتي للعمل بطريقة غير لائقة. كان يطلب مني العمل لساعات طويلة، ويقلل من الأجر بحجة ‘إنو الأوضاع صعبة’. بعدين بلش يلمح لي إنه لازم ساعده بشغل تاني لزيادة دخلي. ترددت بالبداية، بس حاجتي للعمل كانت أكبر من أي شي، فوافقت.”
وأضافت: “بعد فترة، بلش أحمد يتجاوز الحدود أكتر، وطلب مني نروح سوا لمكان بعيد عن الورشة لنتحدث عن ‘تحسين الإنتاج’، يعني بشقة لصاحبه. هون بلشت أقلق، وقررت إني أترك الورشة. ما بدي هالشغل على حساب شرفي وكرامتي.”
مطعم الكبتاغون
قصة أماني كانت شوي مختلفة، ما كان فيها تحرش واستغلال جنسي، بس كان فيها استغلال بنفس الوساخة تقريبًا. بتقول أماني: “بعد سنوات من البحث عن عمل، وفي السنوات الأولى للحرب، شفت إعلان بالجريدة عن وظيفة بمطعم جديد. كان المطعم شكله مهم وبيقدم أطعمة فاخرة وخدمة ممتازة، فقررت قدم طلب للعمل. قابلت صاحب المطعم، اسمه ‘مالك’. كان شكله محترم ومهذب، وعطاني انطباع جيد عن نفسه. قال لي إنه عم يدور على فريق عمل جديد ليقدم خدمة متميزة للزبائن. وأنا كنت بحاجة للعمل، ففرحت بالحصول على هالفرصة.”
وتابعت: “في البداية كان كل شي تمام، كنت عم قدم الأكل للزباين واجتهد. لكن مع مرور الوقت، بلشت لاحظ أشياء غريبة عم تصير. كان في زباين يتصرفوا بشكل مريب، يدخلوا ويطلعوا بسرعة، وأحيانًا يطلبوا أشياء غريبة، وأحيانا طلباتهم تجهز بسرعة غريبة أو تطول بالتحضير بشكل مو منطقي.”
وأضافت: “بيوم من الأيام، لاحظت إنو مالك كان يختفي فترات طويلة بمكتبه. ولما كان يطلع، كان يظهر عليه التوتر وكأنو عم يخبّي شي. مع مرور الوقت، اكتشفت إنه المطعم كان في الحقيقة واجهة لتوزيع حبوب الكبتاغون. كان مالك يبيع الحبوب للزباين تحت ستار المطعم. وتذكرت وقتها ليش كان يطلب مني وزع الطلبات لزبائن معينين خارج المطعم، وأنا ما كان عندي فكرة عن هالطلبات. حسيت بالذنب والخوف، وبعد تفكير قررت انسحب، وخبرت مالك إنو لازم أترك الشغل لأسباب خاصة، وتركت المطعم، وبعد كام سنة سمعت إنه المطعم سكر.”