علي ياغي: انطلاقة جديدة ومستقبل غامض

0 Shares

بعد سقوط بشار الأسد، ومع مرور الأيام الأولى من هذه المرحلة المفصلية، بدأ المشهد السياسي في سوريا يأخذ شكلًا جديدًا. فعلى الرغم من التفاؤل الذي يبديه الكثيرون بنهاية حكم استمر نصف قرن، إلا أن الواقع يظهر أن التحديات التي تواجه سوريا الآن أكبر مما يتخيل البعض. في هذا السياق، يعود بعض أتباع النظام القديم إلى الساحة، محاولين مهاجمة الثورة بأساليب معتادة، بينما يظل المعتدلون يبذلون جهدًا حثيثًا لبناء وطن يحتضن الجميع، بمختلف أطيافهم وأيديولوجياتهم.

لكن الخطر الحقيقي يكمن في الموجات المتباينة التي تتوالى: فهناك القوى الانتقامية التي تسعى لتحقيق أجندات ضيقة، والجماعات الإسلامية التي تسعى إلى فرض رؤيتها الخاصة، بالإضافة إلى القوى العلمانية التي تتنافس على السلطة، والصراعات الداخلية التي تُستغل من قبل دول الجوار والقوى الكبرى كروسيا والولايات المتحدة. هذه العناصر تشكل تهديدًا حقيقيًا لمستقبل سوريا، حيث لا يبدو أن الطريق إلى الاستقرار سيكون مفروشًا بالورود.

الشعب السوري، رغم التفاؤل الذي يحمله مع سقوط نظام الأسد، يدرك تمامًا حجم التحديات التي تنتظره. فقد كانت الثورة الشعبية التي انطلقت بصدور مليئة بالأمل والحرية قد كسرت قيود الخوف، وفتحت باب الحريات الذي أغلقه النظام لعقود. لكن تلك اللحظة الثورية تتطلب الآن معركة من نوع آخر، وهي معركة إعادة بناء الدولة السورية من جديد. وهذه المهمة لن تتحقق إلا من خلال تفكيك الفساد العميق الذي استشرى في مؤسسات الحكم. فلا يمكن إصلاح النظام عبر تبديل الوجوه فقط؛ بل يجب إبعاد كل من ساهم في بناء منظومة الفساد، بدءًا من مدير مكتب الوزير وصولًا إلى أصغر الموظفين في المؤسسات الحكومية.

إعادة البناء تبدأ بالاقتصاد

من أجل بناء سوريا جديدة، يجب أن تبدأ عجلة الاقتصاد في الدوران بسرعة، ومن هنا، فإن السيطرة السورية على الموارد النفطية تعتبر خطوة أساسية، فهذه الموارد يجب أن تُستثمر في تعزيز الاقتصاد الوطني، بما في ذلك توظيف عائداتها لدعم العملة المحلية. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يتم تشجيع الاستثمارات العربية والأجنبية، ولكن بشرط أساسي: توظيف العمالة السورية وتوفير فرص عمل حقيقية للشعب السوري. كما يجب تنظيم القطاع الزراعي بشكل يضمن تحقيق الأمن الغذائي، والابتعاد عن سياسة الجباية التي أثقلت كاهل التجار والصناعيين.

إن الانفتاح الاقتصادي قد يكون بوابة لتحسين حياة السوريين، خصوصًا مع زوال عقوبات مثل “قانون قيصر” الذي فرضته الولايات المتحدة على البلاد. ولكن لكي نحقق تقدمًا حقيقيًا، يجب دعم الإنتاج المحلي وتعزيز قدرته على المنافسة والتصدير في الأسواق العالمية.

الإصلاح يبدأ بالإنسان

لا يمكن بناء سوريا المستقبل دون أن يكون الإنسان السوري في صلب هذه العملية. وأولى خطوات ذلك هو التركيز على إعادة القيمة للمعلم وضمان استقراره، إذ أن التعليم هو حجر الزاوية لبناء أجيال المستقبل التي ستنهض بسوريا من جديد. كذلك، يجب التأكيد على ضرورة تداول السلطة ومنع احتكارها، ليكون الرئيس ممثلًا حقيقيًا لإرادة الشعب السوري، وليس مجرد أداة بيد القوى الحاكمة.

القرار بيدكم

سوريا الغد لن تُبنى بيد واحدة، بل تحتاج إلى تكاتف الجميع. من خلال العمل المشترك والعدل والمساواة، يمكننا تحقيق سوريا التي يتطلع إليها الجميع. إننا بحاجة إلى العزيمة والإصرار على استعادة الحق في تقرير المصير، وتقديم نموذج جديد من الوحدة والمشاركة الحقيقية.

0 Shares
Tweet
Share