طوني بولس: “تشييع” حقبة الماضي… وبداية عصر لبناني جديد

0 Shares

شهد لبنان لحظة فارقة في تاريخه المعاصر مع تشييع أمين عام “حزب الله”، حسن نصر الله، وخلفه هاشم صفي الدين، إيذاناً بانتهاء مرحلة سوداء هيمنت عليها قوى “الممانعة”، وبدء عصر جديد يلوح في الأفق.

لأعوام طويلة كان لبنان جزءاً من مشروع إيران الإقليمي، أحكم قبضته على بيروت، وأسقط سوريا والعراق في مستنقع النفوذ الإيراني، وزرع الفوضى في اليمن، محولاً أربع عواصم عربية إلى منصات خاضعة لإرادة طهران، لكن اليوم تُظهر التحولات الإقليمية والدولية أن هذا المحور قد أصيب في صميمه، وانكسر في سوريا، وترنح في العراق واليمن، فيما كان سقوطه في لبنان واضحاً في تفاصيل التشييع نفسه.

المشهد في مدينة كميل شمعون الرياضية، حيث ودع حزب الله زعيمه، كشف كثيراً عن التحولات العميقة التي يشهدها لبنان والمنطقة، لم يكن هناك حضور لبناني وطني، ولا مشاركة رفيعة للأحزاب اللبنانية، ومن ضمنها حلفاؤه، ولا حتى تمثيل رسمي لبناني يرقى إلى مستوى الحدث، لم تشهد المنصة أي حضور دولي بارز، باستثناء الوفد الإيراني، في رسالة صريحة بأن المشهد السياسي قد تغير، وأن لبنان لم يعد كما كان.

أما العراق فلم يلبِّ نداءات الحزب بإرسال وفد رسمي كما فعلت إيران، وذلك نتيجة الضغوط الدولية، وخشية المواجهة مع الولايات المتحدة، في مؤشر إلى تبدل موازين القوى الإقليمية، هذه العزلة الداخلية والإقليمية والدولية التي أحاطت بالتشييع أكدت بصورة قاطعة أن المشروع الذي حاول فرض نفسه بالقوة والسيطرة الأمنية والسياسية قد بدأ يتراجع.

يُذكر أن نصر الله، الذي تولى قيادة “حزب الله” منذ عام 1992، قُتل في غارة إسرائيلية في الـ27 من سبتمبر (أيلول) 2024، تلاها مقتل خليفته هاشم صفي الدين في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) 2024، وعُين الشيخ نعيم قاسم أميناً عاماً جديداً للحزب في الـ29 من أكتوبر من العام نفسه، الذي أعلن موافقة الحزب على وقف إطلاق النار مع إسرائيل وتطبيق القرار الدولي 1701.

دفن المحور

من الواضح أن دفن نصر الله هو دفن لـ”حزب الله” والمحور الإيراني وللمشروع الذي دخل إلى المنطقة وخربها، وأدى إلى دمار لبنان وعزله عن محيطه العربي والدولي، وأغرقه في حروب متتالية وأزمات اقتصادية وسياسية خانقة.

منذ البدايات وفي عام 1985 أعلن نصر الله صراحة بأنه يسعى إلى جعل لبنان جزءاً من مشروع “الجمهورية الإسلامية في إيران”، وعمل على تحقيق هذا الهدف بلا مواربة، واليوم، يمكن القول إن التشييع هو إعلان صريح بانتهاء تلك الحقبة، ودفن لمرحلة سوداء عاشها لبنان والمنطقة، على أمل أن يكون هذا الحدث بداية لنهوض جديد للبنان.

ومع دفن نصر الله تُدفن معه أيضاً شعارات المواجهة مع إسرائيل وعمليات تكديس السلاح، وتُدفن ازدواجية الدولة التي فرضها “حزب الله” عقوداً. كل المشاريع التي استخدمها الحزب لتبرير سلاحه، مثل نظرية الردع ونظرية توازن الرعب ونظرية إزالة إسرائيل من الوجود، سقطت ولم يعد لها أي مكان في المرحلة المقبلة، هذا التحول يعكس بداية نهاية مرحلة السلاح غير الشرعي، وبداية مرحلة جديدة من السيادة اللبنانية التي تقوم على الدولة الواحدة من دون أية هيمنة من أية جهة مسلحة.

المناسبة الكبرى

ومن الأمور اللافتة في المشهد اللبناني أن ذاكرة اللبنانيين عادت إلى لحظة الـ14 من مارس (آذار) 2005، حين انتفض اللبنانيون ضد النظام السوري، في مشهد تاريخي غير مسبوق، يومها كانت الأعلام اللبنانية وحدها تزين الساحات، وامتلأت الشوارع بمليونَي متظاهر في أكبر حشد شعبي شهدته البلاد.

في المقابل لم يكن الحشد الذي نظمه “حزب الله” هذه المرة يرقى إلى التوقعات، إذ لم يتجاوز عدد المشاركين 300 ألف شخص، في حين كان الترويج إلى أن التشييع سيكون مليونياً وهو الأكبر في تاريخ لبنان.

طوني بولس صحافي لبناني ومحلل سياسي متابع للشؤون العربية والدولية.

0 Shares
Tweet
Share